خطاب وزير أوروبا والشؤون الخارجية السيد جان نويل بارو 7 كانون الثاني/يناير 2025

حصة

سيداتي وسادتي الوزراء،
سيداتي وسادتي النواب،
السيدة الأمينة العامة،
سعادة السفيرات،
سعادة السفراء،
سيداتي، سادتي،

يسرني الاجتماع بكم في مناسبة الدورة الثلاثين من مؤتمر السفراء والسفيرات. ورغبنا مع الأمينة العامة وطاقمها أن ندرج هذه الدورة في خانة العمل أي عمل دبلوماسيتنا لخدمة فرنسا والفرنسيين.

ونحن نجتمع في سياق خاص. ونستهل عام 2025 بمجموعة من المخاوف والآمال، فهو عام تُسجل فيه الأزمات الدولية، وصوت خطوات الجنود واستئناف الحروب التجارية والتبعات المأساوية الناجمة عن الاضطرابات التي يعاني منها كوكب الأرض.
ودعانا رئيس الجمهورية أمس إلى تناول حال العالم في المرحلة الراهنة وأفق المستقبل بواقعية، أي التحلي بروح الواقعية بلا تخاذل، والوعي بلا انهزامية، والتفاؤل بالإرادة، وإدراج المصلحة الوطنية في صميم نفوسنا أي مصلحة الفرنسيين.

ويتطلب منا استتباب أمن الفرنسيين وتحقيق ازدهار بلدنا وتوكيد نموذجنا الكثير من العمل الجماعي. وستنفذ بفضلكم خارطة الطريق التي قدمت أمس.
سعادة السفراء والسفيرات، أنتم تمارسون عملًا فريدًا، لا مثيل له. فقد دفعكم حب اكتشاف الآخر والعمل والسفر إلى هذه المهمة. وها أنتم تجولون العالم وتنتقلون كل فترة ثلاثة أو أربعة أعوام من مكان إلى آخر، تتخللها عودة منتظمة إلى الوزارة. وتدفعكم مسيرتكم المهنية إلى العمل على جميع الجبهات فتواجهون القضايا الثنائية وتضطلعون بمفاوضات متعددة الأطراف وتكلفون بالشؤون القنصلية وتترأسون مديريات الإدارة المركزية. ويكلفكم العمل على هذه الجبهات تضحيات تثقل بوزرها على حياتكم الشخصية والعائلية ولن نستهين بها. وتعرضكم هذه الجبهات أحيانًا للتشنجات الكبيرة التي يعاني منها العالم.

وأنضم مع الوزراء المفوضين في التعبير عن الامتنان الذي أعرب عنه رئيس الجمهورية أمس للموظفين العاملين في كابول وكييف وبور أو برانس في أوج أعمال العنف فيها وبيروت وتل أبيب والقدس ومناطق النزاعات الأخرى العديدة يتصفون فيها بالبسالة مثيرين إعجابنا بهم.

وأشمل زملاءنا الذين أزهقت حياتهم خلال اضطلاعهم بمهامهم لخدمة فرنسا. وأذكر لوي ديلامار الذي سقط قتيلًا في بيروت من جراء طلقة رصاص بينما كان في السيارة ينتقل من مقر السفارة إلى مسكنه في أيلول/سبتمبر 1981. وأذكر كذلك فيليب بيرنار الذي قتل بطلقة رصاص في مكتبه خلال أعمال شغب وقعت حول السفارة في كينشاسا في كانون الثاني/يناير 1993. ونبذل كل ما يتيسر لنا من جهود لئلا تتكرر هذه المآسي، لكن يجب أن يعلم الفرنسيون جميعًا أنّ تمثيل فرنسا في جميع أنحاء العالم يشمل دائمًا مخاطرةً لأنّ التعسّف يحوي عنفًا لا يمكن اختزاله.

سعادة السفراء والسفيرات، أنتم تحملون، في البلدان التي ترسلون إليها، وزرًا ثقيًلا يتمثل في تمثيل فرنسا أي أمتنا بأسرها وبكل تنوّعها. وليس ذلك بالشأن المستهان به. وتكلفون بأداء مهمة شبه مستحيلة أو تتطلب منكم تقديم الكثير على الأقل، ألا وهي الدفاع عن المصلحة الوطنية ومصلحة الفرنسيين في الظروف كافة. وتتكبدون باستمرار لذلك السير في مسارات التلال العسيرة. وتنخرطون بلا الغرق في الثنايا الثقافية والسياسية التي يتعين عليكم أن تمضون فيها بكل ثقة للتصرف بفعالية. وتبقون قدمًا في العمل الفوري لاستيعاب كل ما قد ينجم عن الحاضر وقدمًا في الأمد الطويل للتغلّب على الهزائم واستشراف المستقبل. وتسعون إلى التوافق عندما يكون ممكنًا بالتزامن مع التصرّف بحزم في الشؤون الجوهرية. وتديرون بالتناوب وبمهارة إما الاستدراج أو ميزان القوى، وفقًا لما تفرضه الظروف.

وتتطلب هذه المهنة اكتساب بعض السمات التي ليست بمتناول الجميع. وتحدثت عن البسالة. وأرغب أيضًا في التحدّث عن المثابرة. وتولّد المثابرة القوة للعمل بلا هوادة والانكباب بلا كلل مثلما فعلنا منذ قرابة عام في لبنان حتى توصلنا إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأت تظهر ثماره بأول عمليات انسحاب للجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان أمس. وإننا مدينون بأول توقف للأعمال العدائية في المنطقة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 الذي يمثل انتصارًا دبلوماسيًا فرنسيًا حقيقيًا لصبر سفيرنا وطواقمنا المرابط، فأشكرهم على جهودهم وأثني عليها. ويمكنني أن أسهب في الأمثلة الكثيرة. إذن صحيح أنّه علينا الانتظار أحيانًا أشهرًا وأعوامًا والمثابرة بلا كلل. غير أننا يجب أن نتخيل سيزيف سعيدًا، ولا سيما عندما يبيّن التاريخ أننا في نهاية المطاف على حق.
وأرغب في التحدّث أخيرًا عن الإنسانية. لأنّكم التحقتم بهذه الوزارة وبهذه المهنة بدافع شغفكم لخدمة بلدنا من خلال الإسهام في إقامة علاقات رزينة له مع أمم العالم الأخرى. واخترتم السير في خطى أجيال من رجال ونساء، وفروا من خلال الدبلوماسية على فرنسا الدخول في نزاعات وحروب، وخطى الذين يتقنون فن اللغة والترجمة إلى حد يتيح إيجاد التعابير المناسبة والأجوبة الوافية لأكثر المشاكل استعصاءً. وتدركون كيفية الحصول من محادثيكم على المزيد باستخدام الذكاء عوضًا عن القوة، وبالحوار عوضًا عن الوحشية، وإنسانيتكم لالتماس إنسانيتهم.

وتستثمرون هذه السمات التي أشدت بها للتو في مهنة أصبو إلى أن أراكم تمارسونها ممارسةً كاملةً، وأود التعريف عنها لجميع الفرنسيين.
وسنمضي لهذا السبب في تطوير بعض نواحي تنظيمنا الجماعي.
أود في المقام الأول التشديد على قدرتكم على العمل، لأنني أثق بكم تمامًا. وسنمنحكم لذلك المزيد من الحرية لإدارة ميزانيتكم، وبرنامج توزيع المهام وتفويضها لمصلحتكم مع المزيد من حرية في توزيع الاعتمادات التشغيلية، التي تشمل كل ما يتعلق بالتدريب وصيانة العقارات وعمليات الطوارئ، والمزيد من هامش الحرية للتوظيف المحلي. وأود كذلك أن أرد لكم بعض الوقت بغية تعزيز قدرتكم على العمل من خلال حذف طلب موجه لكم كل شهر وحذف عملية غير ضرورية كل أسبوع.

وأود مواصلة تطوير أدوات تدريبنا على المهن الدبلوماسية والقنصلية. وستندفع الأكاديمية الدبلوماسية والقنصلية بأعمالها حقًا في عام 2025، من خلال دورة تحضير أمناء الوزارة والموظفين من الفئة ألف لمسابقة مدراء الدولة، وتوفير عرض تتم صياغته حول الذكاء الاصطناعي. وأعلن لكم في هذا المنوال عن أنّ أول دفعة احتياطي دبلوماسي ستكوّن في الأشهر المقبلة مع 300 مشارك.

وأود أخيرًا أن يتعرّف الفرنسيون كافة أكثر على مهن الدبلوماسية وأماكنها ونجاحاتها. وسيستحدث في النصف الثاني من عام 2025 مسار يتضمن 50 موقعًا مذهلًا في أراضينا اندرجوا في التاريخ في إطار فعاليات دبلوماسية هامة في فرنسا. وسيتمكن مواطنونا من الافتخار بأنّ الدبلوماسية الفرنسية عملت بالقرب منهم ومعهم في أماكن يتشاركونها. واستهللنا هذا الخريف كما تعلمون مهرجان "السينما والدبلوماسية" للتبادل مع الجمهور الواسع بشأن تصور مهننا وتمثيلها. وأعلن لكم أننا سنستهل في فصل الشتاء جائزة كي دروسي الأدبية، التي ستمنح أول مرة في الصيف بمشاركة لجنة انتقاء مسبق تتضمن موظفين من الوزارة متطوعين وهيئة تحكيم يتم اختيار أعضائها لهذا الغرض. وستدرج هذه الجائزة في الأمد الطويل في مجموعة أرقى الجوائز الأدبية.

سعادة السفيرات والسفراء،

أود بعدما قدمت تحية إجلال لعملكم وتطرقت لنبل المهنة التي تمارسونها، أن أطرح عليكم سؤالًا، وهو سؤال وجودي بالنسبة لنا، وهو ما القوة الكامنة في دبلوماسيتنا؟ وما هي المزايا التي تتيح لفرنسا الارتقاء بقدراتها على المواجهة وأن تبرز مواقفها بين الضوضاء الذي يخيم وحث الأمم الأخرى على حذو حذوها؟
ويبدو لي أنّ الجواب يكمن في ثلاثة أبعاد، وثلاث مزايا أساسية تتسم بها دبلوماسيتنا التي تشمل مسؤوليتنا الجماعية تعزيزها. يتمثل الأول في مواقفها الفريدة. ويتمثل الثاني في قدرتها على الابتكار. ويتمثل الثالث في توجهها لخدمة الفرنسيين. وسأطرق إليها، لو سمحتم، كل على حدةٍ، استهلالًا بالمواقف الفريدة.
عمل أسلافنا على أنقاض الحرب العالمية الثانية التي ألحقت العار بأوروبا ودمترها، وفي الحين الذي سجل إقامة المصالحة بين فرنسا وألمانيا، بقناعة تعذر إرساء سلام مستدام بلا تحقيق العدالة بغية بناء نظام دولي يقوم على القانون ومبادئ تقرير الشعوب مصيرها وسلامة أراضيها، المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة.
ولم نحِد عن هذا المكتسب الهام بينما كان يواجه تدريجيًا التشكيك وأضفي عليه الطابع النسبي وكاد ينزلق لاعتباره مجرد "نموذج من بين نماذج أخرى". وينصت دائمًا لمواقف فرنسا ويُستنظر دائمًا إعراب فرنسا عن مواقفها وتُخشى أحيانًا لأنّ فرنسا تتخذ دائمًا مواقف دفاعًا عن العدالة والقانون والقواعد الجماعية في عالم يُشكك في هذه المبادئ بانتظام.

وسجل التاريخ غالبًا أننا كنا على حق. وما علينا إلا تذكّر جميع الذين اضطلعوا بالمهمة بشجاعة ومهارة. وأشير إلى موقف أريستيد بريان أمام عصبة الأمم، وموقف روبير شومان في "قاعة الساعة" الذي غيّر مصير أوروبا، وموقف مهندس عظمة فرنسا وسياسة الردع النووي موريس كوف دو مورفيي، وموقف أوبير فيدرين الذي أدان العالم الأحادي القطب غير المقبول، وموقف دومينيك دوفيلبين الذي رفض انخراط فرنسا في حرب ظالمة في العراق، وإعلان لوران فابيوس منذ عشرة أعوام اعتماد اتفاق باريس المنقطع النظير.
ويتمثل سبب حشدنا كل ما يتيسر لنا من جهود كثيفة لتتمكن أوكرانيا من التصدي للعدوان الروسي واستعادة حريتها، في أنّ نضال أوكرانيا هو نضالنا. ويقترب منا التهديد كل ما تعثر الأوكرانيون، ويضع أمن جميع الفرنسيين على المحك. ويتمثل السبب كذلك في أنّ إتاحة انتصار قوة الغازي الغاشمة، والتغاضي عن جرائم الحرب في المرحلة الراهنة، ستجيز مسبقًا الانتهاكات في المستقبل، بصرف النظر عن الأماكن التي قد ترتكب فيها، وتكريس حكم الأقوى بصورة نهائية.

ويسري الأمر كذلك على سورية حيث حاربنا نظام الأسد بحزم. ولم نرضخ لمساعي التطبيع التي كاد أن يرضخ لها بعض شركاءنا. ولم نكف عن دعم المجتمع المدني والمعارضين في المنفى والمجتمعات المسيحية وجميع المدعوين اليوم إلى بناء مستقبل جديد لسورية. وكنا رأس الحربة في مكافحة الإفلات من العقاب من خلال حماية سيزار ومطلقي الإنذارات عن مجزرة حي التضامن، وبالمساعدة في توثيق جرائم النظام، التي يجب معاقبة المسؤولين عنها ليتعافى البلد على الصعيدين الأخلاقي والروحاني.
ولأنّ فرنسا تعتبر جميع الأرواح البشرية متساوية في الكرامة إن كان في أوكرانيا أو في سورية أو في أماكن أخرى. وندين لذلك انتهاكات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في أي مكان وزمان، أي انتهاكات حركة حماس في إسرائيل، أو انتهاكات إسرائيل في قطاع غزة وفي لبنان، وانتهاكات حزب الله في إسرائيل، وانتهاكات القوات المسلّحة في السودان، وانتهاكات جلادي الأيزيديين في سورية والعراق، وانتهاكات حركة طالبان في أفغانستان. ولا تتبع فرنسا ازدواج المعايير في خطاباتها.
ولا تعد هذه الإدانات تعاويذ، بل تدرجها في العمل من أجل المدنيين. وتستنفر فرنسا طاقتها كلما تعرضت حياة الأشخاص للخطر.

واستضافت باريس أول مؤتمر دولي لدعم قطاع غزة بعد مرور شهر على هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر التي تمثل أشنع مجزرةً معاديةً للسامية تُرتكب بعد المحرقة اليهودية. واستضافت باريس أول مؤتمر دولي أتاح حشد وعود تبرعات بقيمة مليارين، بعد مرور عام واحد على اندلاع الحرب الدامية في السودان. وتمكنا في باريس كذلك من جمع الجهات المانحة لحشد أكثر من مليار دولار ودرء انهيار لبنان، بعد مرور شهر واحد على بداية التصعيد العسكري في لبنان في فصل الخريف.

ولا تغض فرنسا الطرف، أبعد من المسائل الأمنية والإنسانية، عن أي قضية من القضايا التي تعني العالم بأسره ولا تتبدد عند حدودنا والتي تؤثّر تأثيرًا شديدًا في تحديد مصائر الشعوب. ونضرب، بعد مرور عشرة أعوام على توقيع اتفاق باريس بشأن المناخ الذي تكلل بنجاح دبلوماسي، مواعيد طموحة الأهداف في مدينتي باريس ونيس ثم في مدينة بليم. ويجب أن يمثّل مؤتمر نيس للمحيط ما مثّله اتفاق باريس من أجل المناخ. ويجب أن تدخل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بشأن حفظ التنوع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج حدود الولاية الوطنية، المعاهدة التي اضطلع بلدنا ووزارتنا بصورة خاصة بدور جوهري في إبرامها، حيز النفاذ. وأحثكم على السعي إلى إنجاز التصديقات في بلدان إقامتكم، وأحثكم وإليينور كاروا والنواب الآخرين على استنفار طاقتكم الجماعية لنتمكن من بلوغ أهدافنا. وأدعوكم على نطاق أوسع، وتمهيدًا لمؤتمر نيس، إلى الطلب من السلطات الإعلان عن التزامات إضافية حتى حلول شهر حزيران/يونيو المقبل.
ولن تتمكن فرنسا التي تدافع بلا كلل ولا ملل عن التوازن والقانون الذي يواجه التشكيك، من الحفاظ على مصداقية مواقفها إلا إذا أصلحنا القانون.

سعادة السفيرات والسفراء،

آن الأوان لتعزيز عدالة ما هو قوي وتعزيز قوة ما هو عادل.
ويتطلب ذلك أن يجد كل واحد مكانه المناسب في الحوكمة العالمية. وتفاقم كل لحظة نضيعها في سبيل إصلاح تعددية الأطراف حكم عدم شرعية مؤسساته. ولا يجب أن نتجاهل الإنذار الذي يمثله لنا نجاح اجتماع مجموعة بريكس الذي عقد في مدينة قزان، مع أنّ لا رؤية مشتركة تجمع أعضائها عن استشراف المستقبل. وتحدثنا معًا أمس عن ذلك.

وأصبو أن تنجز بحلول عام 2026 عند ترأس بلدنا مجموعة الدول السبع، ورش حيوية لمستقبل السلام والحوكمة العالمية. فلنمضي قدمًا، بينما تسجل منظمة الأمم المتحدة الذكرى الثمانين على استحداثها، ليتمكن شركاؤنا الأفريقيون من اكتساب مكان خاص بهم في الحوكمة العالمية والمجلس والمؤسسات المالية الدولية، ولتنفيذ ميثاق باريس للشعوب وكوكب الأرض الفعلي الذي استهله رئيس الجمهورية ولينضم إليه أكبر عدد ممكن، ولتثمر مبادرات منتدى باريس للسلام، ولتنجح مبادرة اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي أسهمنا بها مع البرازيل والصين والأردن وكازاخستان وجنوب أفريقيا، الرامية إلى أن يطبّق القانون الدولي الإنساني تطبيقًا كاملًا. وأعوّل على حشد جهودكم الثابت بشأن هذه المواضيع وسأتواصل معكم في الأسابيع المقبلة لتقديم التعليمات المنهجية. وتتوقف مصداقية مواقف فرنسا الفريدة على ذلك، المواقف التي ورثناها، والتي يندرج الحفاظ عليها في مسؤولياتنا من أجل مصلحة البلد ومصلحة جميع الفرنسيين.
وسأنتقل الآن إلى المزية الثانية وهي قدرتنا على الابتكار. تمكنّا من التأقلم وتجديد أسلوب ممارستنا الدبلوماسية في بيئة دائمة التغيّر تبددت فيها الوساطات وبات التواصل فيها مباشرًا.

لكن ما السبيل لندافع عن مصالحنا في هذه البيئة؟ يجب أن نغيّر أنفسنا أولًا.
وطرحنا على أنفسنا أسئلةً وجودية خلال المجالس العمومية للوزارة التي عقدت بناءً على رغبة رئيس الجمهورية واستهلتها السيدة كاترين كولونا. وقادت التوصيات الثلاث مئة وخمسون التي تضمنها التقرير الناتج عنها عملنا واتبعناها بحذافيرها. ونفذت نسبة 80 في المئة منها أو استُهل العمل بها. وبات استباق عملية التوظيف أحسن، وتم تحديث المسابقات وينتفع الموظفون بمواكبة أفضل. وهبت رياح التجديد في الأعوام المنصرمة في الوزارة بفعل التغييرات الكثيرة التي من المتوقع أن تتكثّف وأذكر منها صندوق الفريق الفرنسي ومستشاري القضايا العالمية وتعزيز التواصل، ولا سيما في أفريقيا، والاستمرار في تحديث الخدمات التي نقدمها للفرنسيين في الخارج، ومنتدى الدبلوماسية النيابي والتعاون غير المركزي. وسأترأس بصورة منتظمة لجنة تنفيذية للتحوّل لتحرص على ذلك.
وسجّلت الدبلوماسية الفرنسية تحولًا عميقًا بالفعل، أمام إعادة توزيع توازن القوة وبروز قضايا عالمية تحتاج إلى مشاركة جميع الأطراف الفاعلة في مجتمعاتنا على نحوٍ شامل. واستحدثت الدبلوماسية الفرنسية صيغًا منقطعة النظير إلى جانب المحافل التقليدية والتاريخية، تشرك المجتمع المدني وجميع مكونات تعدديّة الأطراف والصناديق الدولية وكبار قادة الرأي بل أيضًا الأقاليم والمنشآت على نحوٍ كامل.

وسأذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض الصيغ البارزة التي ابتكرناها أو أعدنا ابتكارها.
ويشمل ذلك صيغة مثلث فايمار التي أحياها السيد ستيفان سيجورني، ونرسّخها مع السيد بنجامين حداد، وأشكره على عمله الدؤوب عليه. وتصبو هذه المشاورات الوثيقة، استكمالًا لجهودنا في أوروبا، إلى التركيز كلّ التركيز على أهم الملفات، تزامنًا مع عودة الحرب إلى القارة الأوروبية. وأتمنى وإياكم كلّ النجاح والتوفيق لنظيري البولندي السيد راديك سيكورسكي في رئاسة بولندا لمجلس الاتحاد الأوروبي في مرحلة مفصلية لقارتنا، تطرّق الرئيس إليها مطولًا أمس.

ويمثّل مؤتمر القمة بشأن العمل في مجال الذكاء الاصطناعي الذي نستضيفه في شباط/فبراير، مبادرة عازمة من أجل التأثير في الحوار الدولي بشأن ما لا شكّ في أنّه ثورة العصر الراهن التي تشبه بعظمتها تلك التي أحدثها كوبرنيكوس في زمنه. وكما أشار الرئيس أمس، سيرمي المؤتمر إلى إنشاء استراتيجية فرنسية وأوروبية بشأن هذا الموضوع الهام، عبر التحاور مع القوى العظمى، ويشمل ذلك الناشئة منها، في سبيل خدمة المصلحة العامة والتدريب.

وأذكر أيضًا الصيغ التي استحدثناها من أجل ترويج الدبلوماسية النسوية وعملنا كقدوة من خلال صياغة خارطة الطريق من أجل المساواة بين الرجال والنساء في كانون الأول/ديسمبر المنصرم، ووثيقة الدائرة الأخرى من أجل مكافحة أوجه التمييز إزاء مجتمع الميم، التي سأوقّع عليها في كانون الثاني/يناير. وسنستضيف في حزيران/يونيو في باريس مؤتمرًا كبيرًا بشأن الدبلوماسيات النسوية.

وأذكر أخيرًا الدورة التاسعة عشرة لمؤتمر قمة الفرنكوفونية، الذي مثّل فرصة من أجل إشراك جميع الدول والحكومات الأعضاء، وأودّ التشديد في هذا الصدد على مشاركة الشباب ورواد الأعمال فيه، ويشير ذلك إلى حسن عمل الدبلوماسية الفرنسية في مجالات أخرى وأبعاد أخرى، محورها اللغة الفرنسية التي قد تسرّع وتيرة التحول والفرص.
أيتها السفيرات، أيها السفراء، إنّكم أصحاب الإبداع في دبلوماسيتنا ميدانيًا. وتديرون فريق فرنسا وتجيدون حشد جميع القوى الحية التي تسهم في تأثيرنا في العالم. وأشكركم على ذلك. إلا أنّ العالم يتغيّر بسرعة ويجب ألا نكتفي بالمكتسبات التي حققناها. فيجب أن نعزّز هذه القوة الإبداعية التي نتمتع بها، بل ربّما أن نضاعفها.

ونحتاج إلى تسريع وتيرة عملنا. ولذلك أرغب في قصر المسافة بين الوزارة والشبكة على نحو ملحوظ. وعليه، سأستهل مؤتمرًا دائمًا يستكمل الزخم الذي يحدثه اجتماعنا السنوي الكبير، عبر حشد البعثات، وفي المقام الأول حضراتكم السفيرات والسفراء، من أجل استحداث استراتيجيتنا بشأن القضايا الكبرى. ويجب أن يُسمع صوتكم. وأرغب تكوين فرق عمل مشتركة بين الوزارات بمبادرة من الوزارة عند تنظيم المفاوضات الكبرى، بغية إتاحة مشاركة وزارتنا في تنسيق جميع القطاعات، حرصًا على تعزيز اتحاد مواقفنا وقوتها.
وسنحدث ثورةً في المعطيات ابتداءً من هذا العام، سعيًا إلى تسريع وتيرة عملنا. وأود إدراج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في أدواتنا في عام 2025 من أجل مساعدة موظفينا في مراجعة الصحف والبحث القانوني. وسنستخدم هذه التكنولوجيا في عام 2026 كأداة مساعدة في التحرير. وستتيح لنا هذه الأدوات التي نستطيع التعويل عليها في إنجاز العمل توفير الوقت الجماعي والفردي من أجل التركيز على صلب مهننا، حيث يجدر بنا تسخير طاقاتنا. وستمثلون في هذه الورش قوّة الاقتراح ورافعة العمل.

وأود أخيرًا أن استهل إصلاح إدارة الإعلام والصحافة، الذي سيتيح لنا النهوض بتواصل ذات تأثير فعلي في عصر الحرب الإعلامية. ويجب تنفيذ هذا الإصلاح بالتعاون الوثيق مع وكالاتنا وشركائنا في الشؤون السمعية والبصرية الخارجية الفرنسية والفرنكوفونية، ووكالاتنا بصورة أعمّ.

ويجب بالتالي أن نعزز قدرتنا على التحفيز عبر حشد الجهات الفاعلة الاقتصادية في دائرة عملنا، الإقليمية منها والأوروبية والدولية أيضًا، تماشيًا مع منطق دائرة التأثير. وقرّرت إيلاء السيدة كاترين بيغار، وأشكرها شكرًا جزيلًا، مهمّة إسهام المنشآت والجهات الراعية في تمويل أعمالنا أو المشاركة في تمويلها في جميع المجالات، من المساعدات الإنسانية إلى القضايا العالمية.

وأرغب كذلك في تنسيق المساعدة اللامركزية للأقاليم والمساعدة الإنمائية الرسمية على نحوٍ أكثر حزمًا، من أجل تعزيز إشراك مدننا وأقاليمنا ومناطقنا في عملنا. وسنتطرّق إلى هذا الموضوع هذا المساء في مناسبة لقاء مخصّص لذلك، وأرغب بالفعل أن نستطيع إجراء متابعة شاملة وسنوية لكلّ ما تضطلع به دبلوماسيتنا من أجل أقاليمنا في الأراضي الوطنية بغية تلبية حاجات الفرنسيين.

وأودّ في نهاية المطاف، سعيًا إلى توحيد رسائلنا والإقناع بها وترويجها، دعوة جميع البعثات الفرنسية في البرلمان الأوروبي، بمعية الوزير المفوّض، إلى الوزارة مرة واحدة سنويًا على الأقل، من أجل مناقشة أولويات فرنسا الكبرى.
وأذكر هنا ميزتنا الثالثة. وتعدّ ربما الأهم والأقل شهرة. وتتجسّد في عملنا في خدمة الفرنسيين في الأوقات السعيدة والعصيبة على حدٍ سواء، من أجل تلبية احتياجاتهم اليومية.

وتديرون في العمل القنصلي، خدمة ًعامّةً يعلّق مواطنونا عليها آمالًا كبيرة ويتوقعون منها الكفاءة. وأعلم التزامكم من أجل تحسين جودة العمل، بدعم الوزارة، وأشكركم. ويزداد أداؤكم في الخدمة العامة كفاءةً في تلبية احتياجات مواطنينا المقيمين في الخارج الذين لا ينفك يزداد عددهم.

وحدّثتم طرائق التصويت وسيستهل العمل بالهوية الرقمية عمّا قريب. وطبّقتم الرقمنة على بعض الإجراءات التي تيسّر حياة مواطنينا اليومية. وحسنتم الآليات الاجتماعية، التي تتيح لنا مثلًا مكافحة أوجه العنف الأسري.
وعندما يواجه مواطنونا وضعًا صعبًا، وعندما تصيبهم أحيانًا مأساةٌ تغيّر حياتهم، تهبّ الدبلوماسية الفرنسية من أجل مساعدتهم.

وأفكّر في هذه اللحظة برهائننا، الذين لا يغادرون وجداننا دقيقة واحدة. ولا يمكننا ببساطة قبول وضع مواطنينا الرهائن المحتجزين في إيران، فهم محتجزون تعسّفًا منذ عدة سنوات في ظروف دنيئة، ويتطابق بعضها مع تعريف القانون الدولي للتعذيب. وقد تدهورت حالتهم، منذ انتخاب الرئيس بزكشيان مع أنّنا نبذل جهودًا في الحوار على أرفع المستويات. وأقول وإياكم إلى السلطات الإيرانية: يجب إطلاق سراح رهائننا. وتعتمد علاقاتنا الثنائية ومصير الجزاءات على ذلك. وأطلب من مواطنينا عدم زيارة إيران إلى أن يطلق سراح رهائننا.

سيداتي السفيرات، سادتي السفراء، يستطيع مواطنونا المقيمون في الخارج التعويل على عملنا في مجال التعليم أيضًا. وتتطور المؤسسات التعليمية ذات الجودة العالية في جميع أنحاء العالم بفضلكم. وأعرب الرئيس أمس أن أكثر من 600 مؤسسة من هذه المؤسسات الفرنسية والفرنكوفونية تتيح لأطفال المقيمين في الخارج متابعة برامج تعليمية ممتازة. والتحقت 25 مؤسسة تعليمية إضافية إلى هذه الشبكة الرائعة في بداية الموسم الدراسي لعام 2024، بفضل التزامكم الكامل، من كمبوديا إلى المغرب ومرورًا بالولايات المتحدة الأمريكية.

وتعمل الدبلوماسية الفرنسية في خدمة المواطنين في سبل متعددة من أجل تلبية احتياجاتهم.
أما بشأن احتياجات مواطنينا الذين يواجهون وضعًا خطيرًا جدًا. شاركنا في الجهود الوطنية من أجل نجدة جزيرة مايوت عبر تنسيق المساعدات الدولية والأوروبية وسنواصل هذه الجهود في الأجل الطويل تحت سلطة رئيس الوزراء. وحشدنا مؤخرًا أموالنا في خدمة مواطنينا عقب الزلزال العنيف الذي ضرب فانواتو، كما فعلنا في لبنان في تشرين الأول/أكتوبر، عندما تدهور الوضع الأمني بشدة. وأشيد في هذا الصدد بمركز الأزمات والمساندة الذي يسهر ويحمي ويغيث أينما تحلّ المصائب.

أما بشأن شواغل مواطنينا في مجال الأمن. بينما سفك الإرهاب الإسلامي الدماء في باريس وحاول كسر حرية التعبير قبل عشرة سنوات تحديدًا، يستطيع الفرنسيون التعويل على الدبلوماسية الفرنسية من أجل المساهمة في حمايتهم. وأود هنا وإياكم أن أحيي ذكرى ضحايا اعتداء شارلي إيبدو وتكريمهم. وأشكر الرسام جول، سفير الفكاهة
الحقيقي، الذي حضر ليرسمنا أثناء محدثاتنا صباح اليوم لتخليد هذه الذكرى.
وتنطوي الرسائل التي أوصلتها في سورية قبل بضعة أيام، وفي جميع أنحاء المنطقة، على هذا الهدف تمامًا. وسنبقى متيقظين، تحسبًا لأي موطن إرهاب محتمل كان. وأقول وإياكم لمن يمتعضون على لقائنا مع السلطات الفعلية في سورية إنّ الدبلوماسية والحوار يمثلان خط الدفاع الأمامي للفرنسيين. ويمثل ذلك الخط الأمامي للدفاع عن مصالحنا. وتحرص الدبلوماسية الفرنسية دومًا على خطّها الأمامي.

أما بشأن شواغل مواطنينا في مجال الهجرة. فذكّر رئيس الجمهورية أمس بأنّها الأكثر إلحاحًا وأنّه يتعيّن لنا أن نحشد جل طاقاتنا بغية الإسهام في تطبيق سياسة هجرة فعالة وسياسة تأشيرات متوازنة. ونحن نعمل على ذلك عبر عمل قنصلياتنا وأقسام التعاون الخاصة بنا. ويجدي عملنا نفعًا في مجال التصدي للهجرة غير النظامية. إلا أن الفرنسيين ينتظرون منّا المزيد من الجهود في هذا الصدد. وطلب رئيس الجمهورية إلينا أمس "أن نساعد بلدنا في استعادة السيطرة" عبر تغيير طريقة تصرّفنا. وستمثل اليقظة والمتطلبات والنتائج على الصعيد الثنائي شروطًا من أجل إثمار سياسات الاستقطاب التي ننتهجها وإيضاحها. ولذلك كرّسنا لقاءً بشأن هذا الموضوع خلال هذا المؤتمر. وأطلب إليكم لهذا السبب، سيداتي وسادتي السفراء، أن تهتمون بهذه المسألة على نحوٍ كامل في البلدان التي تعملون فيها وأن تتقدموا باقتراحاتكم إلى الوزارة. وتبذل دبلوماسيتنا جهدًا كبيرًا بالفعل من أجل إرساء أفضل أوجه التعاون في مجال سياسة الهجرة، عبر إدراج جميع أبعاد علاقاتنا الثنائية في الاتفاقات التي نتوصل إلى إبرامها. وأقول للذين يميلون إلى السخرية من هذا العمل أو التقليل من شأنه إننا لم نكتفِ بعدم موافقتهم فحسب. بل إنّنا سنبرهن بكل بساطة كفاءته. فلنكن واضحين ولنتخذ زمام المبادرة عندما يجدر بنا تحسين أداءنا.

أما بشأن شواغل مواطنينا في مجال العمل. أثبتت سياستنا في مجال الاستقطاب والتصدير نجاعتها، وأنوّه بوصول السيد لوران سان مارتان حديثًا إلى الوزارة، الذي أدى دورًا هامًا في هذا النجاح الفرنسي. وتذهب نسبة ثلثي الاستثمارات الأجنبية في فرنسا إلى المدن المتوسطة، حيث عانى البلد كثيرًا من تراجع القطاع الصناعي في العقود المنصرمة. وسنواصل هذه الجهود من أجل توسيع نطاق فرص منشآتنا، كما ذكّر رئيس الجمهورية أمس، مع أوروبا الكبرى والمستهلكين فيها البالغ عددهم 700 مليون، بدءً من المملكة المتحدة التي نتشاطر معها الكثير، والبلقان الغربية، ومع منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفق نموذج التعاون الذي أرسيناه في مجال الدفاع، ومع أمريكا اللاتينية بشأن المواد النادرة، وبالتأكيد مع أفريقيا التي تمثّل قارة الفرص والنمو، حيث نعيد تشكيل شراكاتنا وننفذ برنامج أعمال واغادوغو على نحوٍ فاعل، إذ سنفتتح في سبيل خدمته هذا العام ميزون دي موند أفريكان، التي يمثل حاضنة فعلية للصناعات الثقافية والإبداعية.

أما بشأن شواغل مواطنينا بخصوص استقلاليتنا وتأمين تزويدنا بالمواد الأولية. انتهجت فرنسا في هذا الصدد منذ عام 2022، استنادًا إلى توصيات تقرير فاران، دبلوماسيةً تقوم على الشراكات في مجال المعادن الحيوية، أفضى إلى صياغة علاقات تعاون مع كل من: جمهورية الكونغو الديمقراطية وأستراليا وكندا وكازاخستان والنرويج واليابان والبرازيل وصربيا وفيتنام والمغرب ومنغوليا. وكان رئيس الجمهورية واضحًا جدًا في هذا الصدد، إذ طلب اتباعكم هذه الاستراتيجية بمنحىً أكثر دفاعيةً في كل بلد تمثلون فرنسا فيه.
ونمتلك رافعات قوية من أجل معالجة جميع هذه الشواغل التي ذكرتها. وأفكّر، في المقام الأول، عزيزي ثاني محمد سويليهي، بالمساعدة الإنمائية الرسمية، التي يجب دائمًا أن نذكر بها، حرصًا على صونها بصورة أفضل من الاقتطاعات في الميزانية، نظرًا إلى أنّ مواكبتها التنمية في مجال المناخ والبيئة والصحة والتعليم والمساواة بين الجنسين، تساهم في بناء عالم أكثر ثباتًا وأكثر توازنًا، ما يتيح تلبية تطلعات الفرنسيين بقوة.
ويُعدّ كل ذلك جيدًا. ولكن، سيداتي وسادتي السفراء، لا يكفي العمل فحسب، بل يجب تحسين الأداء ويجدر بالطبع إبراز العمل.

وذلك لأن كل ما ذكرته غير معروف بالفعل. ولاحظ كلّ منّا ذلك خلال مناقشة الميزانية، وأتحدّث بحضور أعضاء البرلمان، إذ تبيّن آنذاك أنّ أحدًا لم يتطرّق إلى مساهمة الوزارة في تلبية تطلعات الفرنسيين. ويجب أن يعي جميع العاملين في الوزارة، بداية بمن هم في أوّل مسيرتهم المهنية وإلى الأمينة العامة، وعيًا كاملًا، بكلّ ما نضطلع به بغية معالجة شواغل مواطنينا، كما يحب عليهم تجسيد هذا العمل وتوصيفه في أدقّ وجه والإسهام في إبرازه وإيضاحه.

وأرغب لذلك أن نوحّد أخيرًا علامة مساهمة الوكالات بماريان والعلم الفرنسي. ويجب أن تتأقلم وسائل التواصل المرئية الخاصة بنا مع هذا المعطى الجديد.
وبالتالي، أولي إلى مركز التحليل والتنبؤ والاستراتيجية ورشة عمل تصبو في آنٍ واحد إلى قياس كفاءة دبلوماسيتنا وتأثيرها كمًا ونوعًا، بل أيضًا إلى مضاعفة قدرتنا في مسائل الهجرة والعمل وتأمين التزويد بالمواد الأولية والإيكولوجية والمسائل المرتبطة بحماية مواطنينا من الإرهاب.

وأتمنى أن نتبنّى عادة التواصل على نحوٍ استباقي مع المنتخبين في السلطات المحلية والإقليمية وأعضاء البرلمان بشأن المنافع المترتبة على عملنا من أجل مناطقهم. وسيعلم الوزراء المفوضون وأنا شخصيًا، المسؤولين عن الصناديق الأوروبية والاستقطاب والتصدير بالمستجدات فور ورودها. وسأطلب مساعدة المستشارين الدبلوماسيين لدى محافظي المناطق بغية ترسيخ هذه الروابط في روح المبادرات التي حفّزها السيد جان إيف لودريان. وسنحرص كذلك، تحت سلطة رئيس الوزراء، على محاولة كبار الوكالات التنفيذية العامة الحصول على تمويل للصناديق الأوروبية التي لا تحشد على نحوٍ كافٍ في المرحلة الراهنة. فهناك مبلغ 1،6 مليار يورو يجدر استرداده.
وسأحرص، كما دعاني رئيس الجمهورية أمس، على العمل مع وزير الدولة، وزير أقاليم ما وراء البحار، بغية إدراج أقاليم ما وراء البحار في أحسن وجه في بيئتها الإقليمية، بالاعتماد عليكم.

وأرغب عقب النجاحات التي حققت في مجال مواكبة التصدير والاستقطاب، توسيع نطاق مهام الدبلوماسية الاقتصادية لكي تشمل استقطاب الاستثمارات المالية. ويجدر أن تنتفع صناديق الاستثمارات الفرنسية الذي ندعم توسيع نطاقها مع توحيد أسواق رؤوس الأموال، بمبالغ طائلة يساهم فيها في المرحلة الراهنة كبار المستثمرين السياديين.
وأعرب أخيرًا لمواطنينا في الخارج أنّ الخدمة الهاتفية للقنصلية الفرنسية ستصبح فاعلة في جميع أنحاء العالم بحلول نهاية العام. وسيطبّق التصويت عبر الإنترنت على جميع الانتخابات، وستصبح الدعاية الانتخابية رقمية برمّتها. وسنجعل معاملات الأحوال المدنية رقمية وسنوسع نطاق عمل الآلية التجريبية لتجديد جوازات السفر عن بُعد في سبيل تيسير حياة مواطنينا.

لقد تحدّثت مطولًا ولا بدّ أن تسامحوني، فكان في جعبتي الكثير من المسائل التي أود مشاطرتكم إياها. وسأختم، عزيزي جول، برسم. "الوجه الحقيقي للسلام"، أعده كل من بيكاسو وإلوار، الذي وجه دعوة لنا مفادها:
"سنستغني عن الراحة، وسنستغني عن النوم،
وسنسابق الفجر والربيع
وسنحضّر أيامًا وفصولًا
تليق بأحلامنا"

ويمكن لبلدنا التعويل على فرق عملنا الاستثنائية التي يديرها ويقودها حضراتكم، السفيرات والسفراء من اجل تحقيق ذلك. كما يمكنه التعويل على موقفه الفريد وقوته الإبداعية واستهدافه خدمة الفرنسيين. وسأسهر معكم على تعزيز هذه المزايا المتعددة من أجل ترويج مصالح بلدنا وقارّتنا الأوروبية، ومن أجل أن تحيا الجمهورية وتحيا فرنسا.